وهناك إنجيل لا يعترفون به جميعاً وهو إنجيل
برنابا؛ لأن فيه التصريح بأن الله واحد، وأن عيسى رسول الله وليس ابن الله، وأن الله سبحانه وتعالى سوف يبعث محمداً صلى الله عليه وسلم، ويجب عليكم أن تؤمنوا به، ولكنهم لا يؤمنون به مع أنه موجود إلى اليوم في مكتبة الفاتيكان في
روما وفي غيرها من المكتبات، وهو مكتوب ومحفوظ يتوارثونه، وليس للمسلمين فيه يد، وهم يعترفون بوجود
برنابا وأنه من الحواريين، ولكنهم لا يعترفون بكتابه ولا يقرءونه.
إذاً: لماذا اختاروا من أناجيلهم السبعين أو أكثر أربعة أناجيل فقط؟ وكيف اختاروا هذه الأربعة الموجودة الآن فيما يسمى بالعهد الجديد، التي هي: إنجيل
متى و
لوقا و
مرقص و
يوحنا ؟
الجواب: لأنهم عندما اجتمعوا في مجمع
نيقيا عام (325) بعدما تنصر
قسطنطين أجروا مناظرة، وكانت كل طائفة لها دين، وكانوا حوالي ألف وخمسمائة، فتناظروا وتجادلوا طويلاً فكان منهم ثلاثمائة وثمانية عشر فقط هم الذين قالوا: إن المسيح ابن الله، فمال إليهم الإمبراطور وقلدهم السيف، أي: أعطاهم سيفه، وقال: أنا منكم وأنا معكم، وأظهرهم على الباقين، فاختار هؤلاء الذين يعتقدون بأن عيسى عليه السلام ابن الله، اختاروا من الأناجيل ما يؤيد عقيدتهم وكلامهم، ثم أصدروا أوامر بإلغاء الباقي وإحراقها ومنعها، فمنعت وألغيت.
لكن احتفظت كل فرقة بإنجيلها، ثم لما جاء العصر الحديث جمعت المخطوطات والكتب، وأصبحت المكتبات تحوي أنواعاً كثيرة من هذه الأناجيل، وفي أحد هذه الأناجيل يقول: "لما كان كثيرون قد قاموا بتأليف كتب فيما وجدوه عن الكلمة، مما روي أو نقل عن الكلمة -يعني: المسيح عليه السلام- رأيت أنا أيها العزيز
ثاوفيلوس أن أنقل إليك كما سمعت وكما حدثت"، و
تاوفيلوس تاجر يوناني كان في
مصر، فيقول له: لقد رأيت كل واحد من الناس أخذ يكتب عن المسيح، فهذا يؤلف فيما سمع ويقول: قصة المسيح في الخليل، وهذه قصة المسيح في السامرة، وهذه قصته في كذا، فكل واحد كتب ما بلغه، وأنا سأكتب ما بلغني.
فالإنجيل نفسه ليس من كلام الله، ولم يقل كاتبه: هذا أوحاه الله إلي، أما اليوم فلو قابلت أي نصراني لقال لك: هذه الأناجيل وحي من الله، ويزعمون أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسلاً، وهم عندما يقولون: (الله) يعنون به (يسوع) فيقولون: إنه أرسل رسلاً ومنهم
بولس وغيره، وعددهم مائة وعشرون رسولاً، وهؤلاء الرسل هم الذين ألفوا هذه الأناجيل أو هذه الرسائل.
إذاً: فهم يعتقدون أنها وحي من عند الله، ثم إذا أراد النصارى أن ينفوا التناقض ويدرءوا التعارض بين الأناجيل، جاءوا بالعجب العجاب! وهي أشياء واضحة وصريحة في التناقض، فمثلاً: يذكرون في بعض الأناجيل أن بين داود وعيسى عليهما السلام أربعين جيلاً، وفي بعض الأناجيل أن بينهما خمسة وعشرين، وهذا فرق عظيم، فهذه أقوال يكذب بعضها بعضاً، ومع هذا يقولون: إن هذا وحي وهذا وحي، وعليك أن تصدق وتوقن وتؤمن بها، ثم بعد ذلك فكر، لكن أن تفكر في الشيء قبل أن تؤمن به فلا يصح إيمانك، وهكذا غيروا في دينهم بما لا يسعنا تفصيله، لكن نقول: إن التوراة والإنجيل الموجودان اليوم محرفان؛ فلا نؤمن بأن هذه الكلمة أو هذه الجملة أو هذه الآية بمفردها وبعينها مما أنزله الله تعالى ولا نقطع بذلك، بل نقول: إن هذا الكتاب أنزله الله، ونحن نؤمن به، أما ما في أيديكم فقد غُيِّر وبُدِّل، أعني: نؤمن بها في الجملة.